خطبة عن الموت

إن الموت أحد ضروريات الحياة، التي من طبيعتها التجدد والتغيّر، وهي دار فناء، ومهما قضى الإنسان فيها من عمر لابد وأن يغادرها، إلى حيث الحياة الحقيقية، وإلى حيث دار البقاء التي هي أدوم وأهم، والإنسان العاقل المؤمن يعلم أنه هنا للاختبار، وأن الاختبار عمره قصير، وأنه ملاقي ربّه، وأنه محاسب على النقير والقطمير، وأنه من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّ يره.

وهو يدعو بدعاء القرآن: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.”

خطبة عن الموت

خطبة عن الموت بالتفصيل

خطبة عن الموت

الحمد لله الذي يخلق من العدم ويوجد الموجودات بكلمة كن فتكون، وهو المحيي المميت وإليه النشور، ونصلي ونسلم على الشفيع الذي لا تردّ شفاعته، والنبي المختار، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي يبشر الصالحين بمعيته ويرد معهم الحوض فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبدًا.

أيها الإخوة الكرام، إن حديث الموت لهو حديث مخيف وفي ذلك يقول ربّ العزّة: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً”، ولكن إذا ما اعتبرناه وسيلة عبور للحياة الحقيقية، وسبيل الخلود، فسيكون له معان مختلفة، وستنظرون إليه نظرة آخرى، إنه الحدث الذي ينتهي عنده الإمتحان، ويحاسب الإنسان على ما قدّم، ويجده عند الله حاضرًا. قال تعالى: “وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.”

والأرواح بيد الله يقلبها كيفما يشاء، وهو القائل جلّ وعلا: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.”

فالموت قد يكون أقرب للإنسان بأكثر مما يتخيّل عقله ومع كل ذلك هو غافل عن هذا الحدث الأهم، وقد يأتيه وهو على معصية، فلا يستغفر ولا يتوب ولا يعود، قال تعالى: “إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ  ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ  وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ  لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ  لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ.”

خطبة قصيرة عن الموت

خطبة قصيرة عن الموت بالتفصيل

خطبة قصيرة عن الموت

يعرّف الموت بأنه توقف جميع العمليات الحيوية بالجسم مثل التفكير والهضم والتنفس والحركة والعاطفة وفي الموت تخرج الروح من الجسد وتفارقه، إلى حيث أمرها الله، إنها ذلك السرّ الإلهي الذي أودعه في المخلوقات الحيّة والذي لا يدرك أحد ماهيته على وجه الدقة، قال تعالى في كتابه الحكيم: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.”

والإنسان بعد أن تنتهي رحلته على هذه الأرض، يودعه الناس بالدموع والدعوات ويغسلونه ويكفنونه ويصلون عليه، ثم يدفنوه ومع الوقت يُنسى، ولا يبقى منه غير آثر عمله الصالح أو الطالح.

ولكنه يلقى ما وعده ربه كما جاء في قوله تعالى: “وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.” فالله يفصل بينهما يوم القيامة ويوفّي كل نفس ما كسبت، ولا يظلمون فتيلًا.

خطبة عن موت الفجأة

الحمد لله الذي يسر القرآن للذكر، وأرسل الرسل هادين ومنذرين، وهو يجازي الإنسان بأحسن أعماله، ولا يُظلم أحد عنده، وهو الحق الشهيد المتفرد بالوحدانية، الأهل للعبادة، والصلاة والسلام على خير الأنام الذي بعث أميًا ليكون للعالمين نذيرًا، أما بعد:

لقد كثر موت الفجأة، وهو لا يمهل أحد ليتوب أو يعود عما يفعل، وهو يأتي الإنسان على حاله فيبعث على ما كان عليه يوم القيامة، وموت الفجأة من علامات اقتراب الساعة كما أنبئنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: “من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجأة.” وقال أيضًا: “موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر.”

والإنسان بطبيعته يحب الحياة، ويحب ما بها من زخارف وخيرات، وهو يسعى للمزيد دائمًا ويريد أن يعمّر لمئات السنين، ولكنه في النهاية سيلقى ربه، فلا محيص من ذلك، وإلا فأين هؤلاء المليارات من البشر الذين خلقهم الله من لدن أدم إلى يومنا هذا؟

فمهما جمع الإنسان في حياته، ومهما صنع، سيلقى الله في يوم من الأيام، وما لم يستعد جيدًا لهذا اليوم سيندم حيث لا ينفع الدم وسيقول كما أنبئنا الله تعالى في كتابه الحكيم: “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

فالله الخالق الرازق جعل هذه الحياة الدنيا بمثابة امتحان، ليرى هل يكفر الإنسان أم يؤمن ويعمل بما أمره الله، ثم يجاوي كل نفس بما كسبت، كما قال ربّ العباد: “فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ  تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ، أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ.”

فيا أيها الإنسان لا تغتر بالحياة الدنيا ولا يلهيك طول الأمل، ولا تظلم ولا تُغضب ربّك بارتكاب الكبائر فما أنت إلا خلق ممن خلق، وأنت ملاقي ربّك، يقول الإمام علي بن أبي طالب: “مال ابن أدم والفخر، أوله نطفة وأخره جيفة، ولا يملك رزقه ولا يدفع حتفه.”

خطبة عن الموت مؤثرة

سبحان الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا وهو الذي يجعل ما على الأرض صعيدًا جرزًا، وهو الذي يسوق السحاب إلى الأرض الميتة فيحييها، وينبت فيها من كل زوج بهيج، وإليه ترجعون، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، النار حق، والجنة حق، والملائكة حق والشياطين حق، والموت حق والبعث حق، أما بعد:

إخواني الكرام إن الإنسان يصبر على ما فيه تعب وكد وجهد ليصل إلى الفوز بما يرغب، فهل تشتري الحياة الدنيا بما فيها من زيف وخداع وفناء بأخرتك التي هي أبقى وأعلى؟ إن هذا لهو الخسران المبين، قال تعالى في كتابه الحكيم: “بل تُؤْثِرُ‌ونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَ‌ةُ خَيْرٌ‌ وَأَبْقَىٰ.”

ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكرر دائمًا قوله “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة” إنها الحياة الحقيقية الخالدة التي لا يلقى الإنسان فيها همًا ولا نصبًا إلا قيلًا سلامًا سلاما.

وقال صلوات ربي وسلامه عليه: “اذكر الموت في صلاتك، فإن المرء إذا ذكر الموت في صلاته فحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها.”

فالحياة خادعة، والأيام تمر بدون أن نشعر بها حتى إذا ذهبت السكرة وجائت الفكرة، ظنّ الإنسان أنه لم يلبث فيها غير ساعة من نهار، كما جاء في قوله تعالى: “وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ.”

خطبة عن سكرات الموت

سبحان ربي مالك الملك، الحي القيوم الذي يحي ويميت وإليه مآب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي أدى الأمانة ونصح الأمّة وبين لنا ما في الحياة الدنيا من اختبارات، وما في الموت من سكرات وعبرات، وما في الآخرة من أهوال.

إن للموت سكرات، وإن العبد المؤمن ليكون موته سهلًا يسيرًا كما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: “ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة وفي رواية: المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها.”

وأما العبد الكافر الظالم فموته مختلف فهو يتعذب في موته وتخرج روحه بصعوبة بالغة فهو يتمسك بهذه الدنيا التي ظنّ انها مخلّدًا فيها وأنه لا يرجع إلى خالقه، وأنه سيظل على سلطانه لا ينازعه فيه شيئًا، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: ” م يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب.”

وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الناس يعانون من سكرات الموت على ما هم فيه من صلاح، لأن ذلك آخر ما يكفّر به الله عن العبد سيئاته ليلقاه طاهرًا مطهّرًا، ويزيد من حسناته ويرفع من درجاته، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه.” فلا يغرنّك يا ابن أدم طول الأمل إن الموت أقرب إليك من شهقة نفس.

الكاتب : hanan hikal