ما هي كفارة اليمين الغموس في الدين الإسلامي؟ وأنواع اليمين الغموس

يحيى البوليني
2021-08-23T18:50:00+02:00
اسلاميات
يحيى البولينيتم التدقيق بواسطة: مصطفي شعبان10 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 3 سنوات

اليمين الغموس
كفارة اليمين الغموس

كثير من الناس يخطئون فلا يفرقون بين الحلف على المستقبل بشيء يفعله أو يتركه المسلم وبين الحلف على الماضي الذي يقسم فيه المسلم على شيء أنه حدث فعلًا أو يقسم على شيء لم يحدث أنه لم يحدث فعلًا.

فهذا اليمين يختلف عن اليمين السابق وحكمه مختلف تمامًا في الحكم ولا يتشابه معه إلا في كونه قسمًا فقط أما طبيعتهما فمختلفة جدًا، ومن المهم للمسلم أن يعرف الفارق بينهما.

ما هو معنى اليمين الغموس؟

هذا القسم على الماضي إن ثبت أن المقسم عليه كان كذبًا ولم يكن حقيقة سُمِّيَ باليمين الغموس، وسبب تسميته بالغموس مهم أيضًا ولابد من معرفته لأنه ما سمي بالغموس إلا أنه يغمس صاحبه في نار جهنم.

فهذا اليمين الغموس من الكبائر التي حرمها الله والتي رتب على الوقوع فيها هذه العقوبة الشديدة لكي لا يستهين بها الناس.

فمن عدم معرفة الناس بالفرق يظنون أن كل يمين يكفر عنه بصيام ثلاثة أيام ويمر الأمر وينتهي، ولكنهم يجهلون أن لليمين الغموس هذه الخطورة الشديدة والذنب العظيم.

أنواع اليمين الغموس

لا يوجد في الإسلام أنواع وتصانيف لليمين الغموس، فاليمين الغموس هو واحد من أنواع الأيمان في الإسلام، وبيان الأيمان كالتالي:

اليمين اللغو

  • وهي التي يقسمها المسلم على نفسه وعلى غيره بلا دراية أي بلا انعقاد لليمين، كيمين التهديد أو يمين الدعوة لفعل شيء أو تركه، أو يمين البيع والشراء فكل هذه ما دامت غير منعقدة ولا يقصد فيها المسلم القسم وإنما التشديد على الفعل أو الترك، فهذه أيمان لغو لا اعتبار لها.
  • ولكن ينهانا الله عن فعلها، فقال الله (سبحانه): “وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.” البقرة: 224
  • فعلى المسلم أن ينزه لسانه عنه فلا يجعل الله (عز وجل) ألعوبة على لسانه بكثرة القسم الذي لا مبرر له ولا طائل، وإن كان لابد فاعلًا فعليه أن يجعله في الإصلاح بين الناس بالقسم عليهم بالفعل أو الترك.
  • كأن يقول إذا سأل أحدهم الخير والإصلاح بين الناس: “أقسمت عليك بالله أن تفعل كذا”، أو “قد حلفت عليك بالله أن لا تفعل”، فيعتلّ فيستعين بالقسم على الخير أو الإصلاح بين الناس.

اليمين المنعقدة

  • وهي اليمين التي يقصدها الإنسان وينويها ويعرف أنها يمين قسم، وعليه الكفارة إن أراد الحنث فيها والعدول عنها لما هو أفضل منها في الدنيا والآخرة.

اليمين الغموس

  • وهي اليمين الكاذبة الخاطئة التي يستحل بها حقًا ليس له أو يحجب عن أحد حقه بها أو يتنصل من مواقفه وكلماته بها.
  • وتختلف عن غيرها لأنها يمين عن الماضي عن شيء حدث فيقسم انه لم يحدث أو شيء لم يحدث فيقسم أنه حدث، وهي اليمين التي تغمس صاحبها في النار لعظم جريمة المسلم بها.

حديث اليمين الغموس

قد ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) اليمين الغموس ونبه عليه وحذر منه في أحاديثه، ومنها:

  • عن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) فقال: يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال: “الإشراكُ باللهِ، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوقُ الوالدَينِ، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمينُ الغموسُ، قلتُ: وما اليمينُ الغموسُ؟ قال: الذي يقتطعُ مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ.” رواه البخاري
  • فوصف الرسول عليه الصلاة والسلام غرضا من أغراض اليمين الغموس وهو المتعلق باستحلال أموال الغير، فقال أنه من الكبائر بعد الشرك بالله وعقوق الوالدين، مما دل على خطورته على دين المسلم.
  • عن وائل بن حجر عن أبيه حيث قال: “جاء رجلٌ من حضرموت (امرؤ القيس بن عابس الكندي) ورجلٌ من كندة (ربيعة بن عبدان) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرضٍ لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي، وليس له حقٌ فيها”، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) للحضرمي: “ألك بينة؟ فقال: لا، قال: فَلَكَ يمينه، قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر ولا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، قال: ليس لك منه إلا ذلك، قال: فانطلق الرجل ليحلف له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أدبر: لئن حلف على مالك ليأكله ظلمًا ليلقين الله وهو عنه معرض.” رواه أبو داود
  • فدل الحديث على من يقسم يمينًا وهو كاذب فيها فسيقابل الله وهو عنه معرض أي أن الله يغضب على صاحب هذا اليمين.
اليمين الغموس
حديث اليمين الغموس
  • عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “إنَّ أعجلَ الطاعةِ ثوابًا صلةُ الرَّحِمِ وإنَّ أهلَ البيتِ لَيكونون فُجَّارًا فتنموا أموالُهم ويكثُرُ عددُهم إذا وصلُوا أرحامَهم وإنَّ أعجلَ المعصيةِ عُقوبةً البغيُ، والخيانةُ، واليمينُ الغموسُ يُذهِبُ المالَ ويُثقلُ في الرَّحِمِ ويذرُ الدِّيارَ بَلاقِعَ.” ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة
  • ويدل الحديث على عقوبة اليمين الغموس في الدنيا وهي ذهاب المال ويمنع الإنسان من صلة رحمه ويفتك بالدور ويخربها، هذا غير عقابه الذي جعله الله له في الآخرة.
  • عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): “من حلف يمين صبر، ليتقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبًان، فأنزل الله تصديق لذلك: “إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة.” رواه البخاري، هذا الحديث يؤكد على غضب الله على العبد الذي يقسم يمينًا كاذبة ليأخذ أموال الناس.
  • وحذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كثرة الحلف وخاصة في البيع والشراء لأنها قد تجر الإنسان إلى اليمين الغموس، فقال (صلى الله عليه وسلم)‏:‏ “‏إن اليمين منفقة للسلعة ممحقة للبركة.‏” رواه البخاري، فأكد على أنها ليس لها نفع للبائع بل تحجب البركة على هذه السلعة وعن ربحها.
  • وعن أبي أمامة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة”، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: “وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك.” رواه الإمام مسلم
  • وهذا الحديث من أخطر الأحاديث عن اليمين الغموس إذ وردت فيه العقوبة عليه وهي عقوبة شديدة جدًا، فعقوبته أن يوجب الله له الناس ويحرمه من الجنة، فكم تساوي الدنيا بكل ما فيها من ممتلكات لكي يقتطعها المسلم من صاحب الحق بيمين كاذبة فاجرة فتحرم عليه الجنة وتوجب له النار!
  • وعندما يُسأل رسول الله عن القيمة فهل لابد أن تكون قيمة ما حلف عليه كبيرة لكي يستحق هذا العقاب؟ فيجيب أن لا اعتداد بالقيمة فمجرد اليمين الغموس على شيء ولو كان يسيرًا هينًا يمكن أن تسبب في وجوب النار والحرمان من الجنة، فليسمع كل إنسان يقسم أيمانًا كاذبة هذا الحديث ليعلم خطورة ما يفعل ويرجع ويتوب إلى الله قبل موته عسى الله أن يتوب عليه ويغفر له.
  • عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: “ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْر فَقَالَ: وَاللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أُعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.” رواه البخاري ومسلم
  • وهذا وعيد شديد آخر، فالعقوبة هنا أن لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، فماذا بقي لهم عند الله سبحانه!
  • وهذه العقوبة الشديدة لفئات منها رجل تاجر أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبًا فصدقه المشتري، وتخصيص وقت العصر قال العلماء فيه لِعِلَّه بسبب الوقت الفاضل وقت صعود أعمال اليوم أو لعله وقت الظلمة ووقت لا يرى المشتري فيه عيب السلعة فخدعه البائع مستغلًا يمينه وقسمه فصدقه المشتري فتم خداعه. فهل من أجل أموال قليلة يبيع الإنسان دينه ورضا ربه لهذا الثمن البخس!

كفارة يمين الغموس

اليمين الغموس
كفارة يمين الغموس

لأن اليمين الغموس من الكبائر، والكبائر كلها توجب الناس إلا أن يتوب الإنسان منها توبة صادقة، فكما قال الله (سبحانه): “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.” آل عمران: 77

والكبائر لا تجبرها الكفارات لعظم وخطورة إثمها، فلهذا جاء في فتاوى العلماء أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة في أصح أقوال الفقهاء وإنما لابد وأن يتوب الإنسان منها ويستغفر ربه كثيرًا.

فجاء عن جمهور فقهاء المالكية والحنفية والحنابلة عدم وجوب الكفارة على اليمين الغموس لكبر وعظم المعصية، وقالوا أن الواجب على من فعله التوبة بشروطها الثلاث وهي:

  • الإقلاع عن الذنب
  • الندم الصادق عليه
  • النية اليقينية على عدم العودة إليه مطلقًا
  • ويضاف إليها شرط رابع في اليمين الغموس وهو إعادة الحقوق لأصحابها بقدر استطاعة العبد، وقال به عدد من الصحابة والتابعين منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن والأوزاعي والثوري والليث وأبو عبيد وأبو ثور.

كفارة اليمين الغموس عند المالكية

قال الإمام مالك رحمه الله: “والأيمان بالله أربعة: يمين غموس، ولغو يمين، فلا كفارة في هذين، ويمين الرجل والله لأفعلن، ووالله لا فعلت: ففي هذين كفارة، فإن رأى الحنث أفضل أحنث نفسه، والغموس: الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، وهي أعظم من أن تكفّر”، ولذا قال ابن عبد البر في التمهيد: “لا كفارة فيها لعظم إثمها”.

كفارة اليمين الغموس عند الشافعية

أما الشافعية ووافقهم بعض الحنابلة منهم ابن تيمية وابن القيم فقالوا أنه تجب الكفارة في اليمين الغموس وإنها مطلوبة واجبة مع وجوب التوبة منها، والكفارة ككفارة اليمين المنعقدة وهي موضحة في أول المقال

وختامًا ندعو كل مسلم أن يراجع نفسه جيدًا قبل أن يتلفظ بلفظ يمين غموس وخاصة إن كان في معرض شهادة فلا يعرض نفسه لغضب الله ومقته وطرده من الجنة لأي مصلحة كانت في الدنيا، فالدنيا كلها لا تستحق أن تكون ثمنًا لهذه العقوبات.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *