كل ما تبحث عنه في الشريعة عن حكم حلق اللحية

يحيى البوليني
اسلاميات
يحيى البولينيتم التدقيق بواسطة: israa msry10 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات

شعر اللحية
حكم حلق اللحية

خلق الله (عز وجل) الإنسان وميزه على جميع المخلوقات تكريمًا له في ذاته وصفاته ظاهرًا وباطنًا، فقال (سبحانه): “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.” الإسراء: 70

لذا خلقه الله في صورة معتدلة وزينه بكل زينة في الأرض تكريمًا لظاهره أيضًا فقال (سبحانه) بعدما أقسم بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.” التين: 4

فقال العلماء في تفسيرها: “أحسن تقويم” أي في أعدل خلق وأحسن صورة، وتصديقه أن ما من كائن حي يمشي ويتحرك إلا وهو منكب على وجهه، ويكون وجهه متجهًا للأسفل إلا الإنسان، خلقه الله منتصبًا يمشي على قدمين ووجهه متجه للأعلى، فتلك الصورة التي اختصه الله بها كان تكريمًا له.

هل اللحية سنة أم فرض؟

  • اختلف العلماء في حكم إطلاق اللحية ما بين الفرضية والاستحباب، فمنهم من قال أنها فرض واجب يأثم تاركها ويُثاب فاعلها ومنهم من قال إنها سنة ومكرُمة يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ومنهم من قال بجواز تقصيرها.
  • فالقول الأول وهو قول جمهور أئمة العلم في مذاهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة يقولون بحُرمة حلق اللحية، وهو كذلك قولٌ عند الشافعيّة هو أنها فرض واجب وحالقها يأثم، واستدلوا بالأحاديث الواردة بالأمر بإعفاء اللحية بالألفاظ بالخمس أوامر، وكذلك بأمر المخالفة للمجوس والمشركين واليهود والنصارى.
  • ولا نكاد نعرف أحدًا من العلماء المتقدّمين من قال بجواز الأخذ من اللحية إلا ما قيل عن الأخذ من اللحية ما فوق قبضة اليد، وقال الإمام ابن حزم الظاهري -رحمه الله- بأن حلق اللحية تشويهٌ ومُثلةٌ، وأيضًا الإمام القرطبي يُحرّم حلقها أو قصّها أو نتفها.
  • والقول الثاني وأصحابه هم الشافعية ومن وافقهم بأن اللحية من سنن العادات وأنها ليست من الأمور التعبدية، لأنه لم يكن رجل في السابقين غير ملتح فلذلك حملوا الأمر الوارد فيها للاستحباب لا للوجوب، وبالتالي بل هو أمر إرشاد فقط.
  • واستدلوا على هذا بأنها من سنن الفطرة لما رواه الإمام مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: “عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ”، قَالَ بعض الرواة: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.
  • وقالوا: إن الأوامر المتعلقة بالعادات مثل الأكل والشرب واللبس والجلوس والهيئة، فزاد بن قدامة وقال: “ويُستَحبُّ إعفاءُ اللحية”.
  • وأما من قال بفرضية اللحية وبجواز القص منها لما هو أكثر من القبضة فيستند لرأي عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) فكان إذا حج أو اعتمر أخذ ما فضل عن قبضته.
  • وقال ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: “الذي يظهر أن ابن عمر (رضي الله عنه) كان لا يخصص هذا بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه”، وبناءً عليه فيمكن اعتبار أن اللحية من الفروع ويجوز فيها أمر الاختلاف وأن المختلف عليه لا يلام فاعله ولا يذم تاركه.
  • وقسم الله الإنسان لنوعين ذكر وأنثى، وميز كل نوع عن الآخر بسمات خاصة به، وجعل في كل نوع جماله الخاص الذي يتجمل به، والذي يختص به مختلفًا ومتميزًا عن النوع الأخر، وكان الشعر من جملة السمات المشتركة التي ميز الله جمال النوعين معًا، لكن الله ميز به الأنثى في مواضع وميز به الذكور في مواضع مختلفة.
  • فشعر الأنثى على رأسها هو تاج جمالها، ومن زينتها التي تتزين بها، ولهذا أوجب الله عليها أن تحفظه ولا تُبديه إلا لمن له حق أن يرى جمالها الخاص ففرض الله عليها الحجاب ليغطي كل جمال لها فلا يظهر إلا بحقه لمن يستحقه.
  • وأما شعر الوجه فمذموم عند النساء إذ يُشين جمالهن ويشوهه، فأُمرن بازالته لو ظهر، لأنه من شيم الذكور فقط فهو جمال لهم في مكانين أساسيين وهما في الشارب واللحية.
  • ولذلك فإن حكم الشعر في الزينة يختلف بالنسبة للرجال عن النساء كما يختلف تمامًا حكم ارتداء الحرير والتحلي بالذهب بين الرجال والنساء، فارتداؤهما محرم على الرجال ومباح للنساء للزينة والتجمل.

ما حكم حلق اللحية؟

حلق اللحية
حكم حلق اللحية

قد يتساءل البعض عن هل حلق اللحية حرام؟ أو هل حلق اللحية من الكبائر؟

اتفقت جماهير أهل العلم والفقه والفتوى على تحريم حلق اللحية، ونقل بعض العلماء القول بإجماع أهل العلم على حرمة ذلك الفعل، فقال الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه مراتب الإجماع: “اتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلة لا تجوز”، والمثلة تعني التشويه المتعمد في الوجه.

وبه قال من المتأخرين الشيخ علي محفوظ وهو من علماء الازهر في كتابه (الإبداع في مضار الابتداع): “وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها”.

وهناك من العلماء من قال بالكراهة فقط دون التحريم، فنقل عن كثير من علماء الشافعية قولهم بكراهة حلق اللحية، منهم الإمام النووي والرافعي والغزالي وابن تيمية وابن حجر الهيثمي وغيرهم من هم أعمدة المذهب الشافعي فأصح الأقوال عند الشافعية أن حلق اللحية مكروه.

حكم تخفيف اللحية

قال العلماء أن في المسألة رأيين وهما:

الرأي الأول: عدم جواز أخذ أي شيء من اللحية، فقالوا الأمر باللحية جاء بألفاظ خمسة وهي ” أوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، وأعفوا”، وكلها تحمل معنى الترك كما هي، وبقية ألفاظ الحديث لا تدل على جواز أخذ شيء منها.

الرأي الثاني: يجوز الأخذ منها مع توفيرها أيضًا، فاعتبروا الأخذ منها بما فوق القبضة يُعد توفيرًا لها أيضًا، واستدلوا بفعل عبد الله بن عمر وأبي هريرة (رضي الله عنهما) بأنهم كانوا يأخذون ما زاد على القبضة.

وسبب قوة هذا الرأي أن ابن عمر وأبا هريرة (رضي الله عنهم) كانا من رواة حديث: (أعفوا اللحى)، أي أنهما يطبقان حديث الإعفاء بالأخذ من لحيتهم ما فوق القبضة، ولهذا قال بجواز أخذ ما يزيد عن القبضة كثير من أهل العلم منهم الإمام مالك والإمام أحمد وعطاء وابن عبد البر وابن تيمية وغيرهم.

تعريف اللحية لغة واصطلاحًا

  • اللحية في اللغة كل شعر نبت على الخدين والذقن فيُسمى لحية وقيل أن المقصود بها هو الشعر النازل على الذقن فقط دون الخدين، والأول أصح؛ لأن اللحية إنما سميت هكذا لأنها تنبت على اللحى، واللحى هو عظم الحنك.
  • وبمثل هذا الخلاف كان منشأ الخلاف بين الفقهاء فعند القول بتحريم حلق اللحية ينشأ الخلاف عن تعريفها فمنهم من يقول أن اللحية هي الشعر النابت على الخدين والذقن ومنهم من يقول أنها على الذقن فقط، وسيأتي تفصيل هذا الخلاف.
  • وبالنسبة للسبب الطبي لظهور الشارب واللحية فإنهما ينموان في وجه الرجل كأثر من آثار هرمون الذكورة “التيستسترون” نتيجة الدخول في مرحلة البلوغ.
  • ولذا فظهور الشعر في الرجل وكثرته دلالة على الفحولة والرجولة بخلاف المرأة التي لو ظهر الشعر في وجهها لعبر ذلك عن خلل هرموني في جسمها ويستدعي علاجًا لما فيه من تغير سلوكها العام بما يسمى الاسترجال عند المرأة، فالشعر في الوجه يزيد جمال الرجل وهيبته ووقاره شابًا كان أو شيخًا.
  • وقد وردت اللحية في كتاب الله (سبحانه) عندما عاد موسى من لقاء ربه فوجد قومه قد عبدوا العجل، فاشتد غضبه وأمسك برأس أخيه هارون يجره إليه فقال له هارون (عليه السلام) كما نقل ربنا في كتابه: “قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي” طه: 94، فدل على أن الأنبياء كانوا ذوي لحى.
  • ويعتبر تاريخ اللحية قديمًا جدًا فتذكر كتب التاريخ وصدقته الآثار الفرعونية القائمة للآن أن المصريين القدماء كانوا يضعون اللحى ويظهر ذلك في رسومهم وتماثيلهم لدرجة أنه تم وضع لحية على وجه تمثال الملكة حتشبسوت وذلك كدلالة على التوقير وكدلالة على استحقاقها للجلوس على كرسي العرش أسوة بالرجال.
  • وأيضًا دلت التماثيل والصور عن البيزنطيين القدماء وغيرهم وجود كثير من الرجال ملتحين مما يؤكد على اعتبار البشرية للحية كشعار رجولة.
شعر اللحية
تعريف اللحية لغة واصطلاحًا
  • وبالإضافة إلى كون اللحية علامة رجولة وفحولة في العصور القديمة، كانت تُعتبر مظهر سلطة أو حكمة فالملوك وصور ما تسمى بالآلهة وأبطال الملاحم وحتى الفلاسفة اليونان القدماء ربوا لحاهم.
  • بل جاء وصف هوميروس أبطال ملحمة الإلياذة والأوديسا بأنهم كانوا ملتحين، وكانت في حضارة الصين القديمة تضفي على الرجل الشجاعة والقوة، لدرجة أن بلاد فارس قديمًا كانت تعتبر اللحية رمزًا للقوة والحرية وتحرمها على العبيد.
  • واللحية في الأديان عند اليهود والنصارى موجودة عند الأحبار والرهبان والكهنة ولا يوجد أحدهم إلا وهو ملتح لأنها ترمز إلى معنى التقشف والزهد بالإضافة إلى المعاني السابقة
  • ولهذا على الجانب الديني لم تكن هناك نصوص في الشريعة قبل النبي (صلى الله عليه وسلم) تحث على اللحية وتمدح مطلقها وتذم حالقها، لأنه لم تكن هناك صورة متخيلة للرجل بغير شعر في الوجه.
  • ولكن التوجيهات الإسلامية الخاصة باللحية جاءت لتجعل هناك مظهرًا مميزًا للمسلمين فيها بحيث يخالفون فيه اليهود والنصارى والمجوس وسائر النحل، أما من جهة وجودها فلم يكن يتخيل إنسان أن يكون هناك رجل في التاريخ بلا شارب أو لحية.
  • ومع انتشار اللحية عند جميع الرجال كان يذكر عن بعضهم -لندرتهم- أنهم كانوا بلا لحى، ولم يكن الأمر اختيارًا منهم بل على العكس كان منها من لا تنبت لحيته، فكان يتوارى من الخجل ويتمنى أن لو كان لحى تشترى.
  • فقد كان قيس بن سعد بن عبادة (رضي الله عنه) رجلًا أمرد لا لحية له، فقال قومه الأنصار: “نعم السيد قيس لبطولته وشهامته ولكن لا لحية له، فوالله لو كانت اللحى تشترى بالدراهم لاشترينا له لحية.”
  • وكذا يُذكر أيضًا عن الأحنف بن قيس الذي كان أحلم العرب ولكنه كان أمرد لا لحية له فمع سيادته على قومه كانوا يقولون : “وددنا أنا اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألف.”

الأمر النبوي بخصوص شعر الوجه وحكم حالق اللحية

  • أصر النبي (صلى الله عليه وسلم) في وصاياه للمسلمين أن يكون مظهرهم الإسلامي الخاص بشعر الوجه مخالفًا لأصحاب العقائد والديانات الأخرى.
  • فأصحاب الملل الأخرى يطلقون لحاهم وشواربهم، فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يكون الشكل بحف الشوارب أو قصها وإعفاء اللحى، ومن هنا يتبين أن الأوامر النبوية لم تكن بإطلاق اللحى بل إن اللحى هي الأصل في الرجال فلا مجال للحديث عن حلقها.
  • وجاء في وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) أن لحيته كانت غزيرة، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) يصف رسول الله ويقول: “وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) كثير شعر اللحية.” رواه مسلم
  • فهذا هو سمة الرجال عامة وسمة الأنبياء والرسل خاصة، ونلاحظ أن الأحاديث التي تحدثت عن اللحية لم تخل من لفظ “خالفوا”، ومنها:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنهم) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): “جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ.” رواه مسلم

  • واصل هذا الحديث أن حلق اللحى كان سنة للمجوس فيحلقون لحاهم ويعفون شواربهم، فلما وفد إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) رسول كسرى ملك المجوس وقد حلق لحيته وأعفي شواربه، فقال له (صلى الله عليه وسلم): “من أمرك بهذا؟” قال أمرني ربي يقصد سيده كسرى لأن المجوس لا يقرون بالرب وإنما ربهم في اعتقادهم ملكهم.
  • فقال له: “بل أمرني ربي بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي”، ثم قال عند ذلك: “أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب خالفوا المجوس.” صحيح مسلم والإمام أحمد
  • والجز أشد من الحف، فالجز إزالة بالكلية، وهذا الحديث كان فيه الأمر بمخالفة المجوس وهم الذين كانوا لا يعبدون الله بل يعبدون النار.
حلق اللحية
الأمر النبوي بخصوص شعر الوجه وحكم حالق اللحية

عنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: “خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ.” رواه البخاري ومسلم

  • فالحديث يتكلم عن مخالفة المشركين الذي يعبدون مع الله آلهة أخرى، فهذا الأمر بمخالفة المشركين أيضًا فالسمة والوصف الذي وصف الرسول اتباعه المسلمين أن يكون لهم سمتهم الخاص بهم الذي لا يشابهون به أحدًا غيرهم.
  • فأمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمخالفة من يفعل ذلك من اليهود والنصارى، فعَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى”، وفي رواية: “اعْفُوا اللِّحَى، وَقُصُّوا الشَّارِبْ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى.” أخرجه مسلم

عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): “عَشرٌ مِنَ الفِطرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإِعفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، واسْتِنشَاقُ الماءِ، وقَصُّ الأَظفَارِ، وغَسلُ البَرَاجِمِ، وَنَتفُ الإِبطِ، وَحلقُ العانَة، وانتِقاصُ المَاءِ”، قَالَ الرَّاوي: ونسِيتُ العاشِرة إِلاَّ أَن تَكون المَضمضَةُ، قالَ وَكيعٌ وَهُوَ أَحَدُ روَاتِهِ: انتِقَاصُ الماءِ ويَعني: الاسْتِنْجاءَ.” رَواهُ مُسلم

  • مما يؤكد أن إعفاء اللحية وحف الشارب من فطرة الإنسان التي لا يفترض أن يكون فيها أمر من شخص لآخر ما جاء.

حكم حلق اللحية في المذاهب الأربعة

اختلف الفقهاء من أهل المذاهب في مسألة حكم إعفاء اللحية على قولين اثنين:

القول الأول: وهو وجوب إعفائها وهو المنقول عن مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وذلك لعموم الأدلة السابقة، لأنها أكثر من عشرين حديثًا صحيحًا منهم ثلاثة في الصحيحين، ووردت فيهم الأوامر بصيغ “اعفوا، وأوفوا، وأرخوا، و ارجوا، ووفروا”، وكلها أفعال أمر.

والأمر في المعنى الاصطلاحي الأصولي يقتضي الوجوب ما لم يأت نص آخر يصرفه إلى الندب والاستحباب، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء و أصحاب المذاهب بلا خلاف.

القول الثاني: فهو المشهور عند بعض الشافعية بكراهة قصها حيث جاء عنهم أن إعفاء اللّحية سُنّة ويُكره حلقها والمبالغة في قصّها والمبالغة في الأخذ منها مكروه وممّن قال بذلك الإمام الهيتميّ، والإمام زكريّا الأنصاريُّ، وقد نقل عن كثير من علماء الشافعية رغم نص الإمام الشافعي في كتابه الأم على وجوب إعفائها.

حكم حلق اللحية للضرورة

قال العلماء أنه كقاعدة عامة في الأحكام الفقهية أوامر الله (عز وجل) التكليفية تبنى على رفع الحرج عن الناس، فالقدرة معتبرة في التكليف، فالله (عز وجل) يقول: “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا” البقرة: 286

وفي التكليفات والأوامر والنواهي يقول الله (عز وجل): “فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” البقرة: 173

ومن التيسير ما جاء عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم.” رواه مسلم

حكم حلق اللحية لظروف العمل

على ما سبق فإن أي حكم يسبب ضرر للإنسان ويجلب له المشقة فالحكم الأصولي فيها أن المشقة تجلب التيسير، فلهذا يجب على المسلم رفع الضرر عنه، والقاعدة الأصولية الأخرى أن الضرر يزال ويرتكب أخف الضررين اتقاء لأشدهما.

فإذا كان المسلم لا يستطيع أن يرفع الضرر اليقيني عنه إلا بارتكاب ضرر أقل منه في الشناعة والإثم فيمكنه ارتكاب الأقل اتقاء للأكثر.

ويجب أن يعلم أن العلة إذا زالت عاد الحكم كما كان، فمن خشي على نفسه أو عمله أو أهله من تهديد يقيني جاز له أن يدفع هذا الضرر بقدره فالضرورة تقدر بقدرها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *