دعاء الكرب وتفريج الهم مكتوب كما ورد في القرآن والسنة

يحيى البوليني
2020-11-09T02:36:53+02:00
ادعيةاسلاميات
يحيى البولينيتم التدقيق بواسطة: مصطفي شعبان14 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 3 سنوات

دعاء الكرب
فضل دعاء الكرب من السنة النبوية والقرآن الكريم

كل أمر يتسبب في حزن الإنسان وهمه وانشغاله بهذا الحزن بحيث يُطغي على كل شعور غيره يسمى كربًا، والمكروب لا يستطيع أن يهنأ بطعام أو شراب أو نوم، فالكرب يلازمه في صحوه ومنامه وفي سفره وإقامته.

فضل دعاء الكرب

الإنسان المكروب يتمنى أن يلتمس تفريج كربه عن أية قوة، والمسلم مطالب عند كربه أن يداوم الاتصال برب ومالك كل هذه القوى جميعًا، فالله (عز وجل) فهو القادر وحده على تفريج كربه، فبيده ملكوت السماوات والأرض وهو مالك الملك وملك الملوك وحوائج العباد كلها بيديه (سبحانه).

ويخطئ من يلتمس تفريجًا لكربه عن عبد مثله لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فلا يملك رفع الضر إلا الله، والأعجب من يطلب الحي إنقاذًا له من عبد مثله ميت لا يستطيع أن ينفع نفسه فضلًا عن غيره.

فدعاء الكرب ينفعك في شدتك وأزماتك فتشعر بالاطمئنان بركونك إلى مسبب الأسباب (سبحانه)، وبعدها تكون مطمئنًا إلى قضاء ربك، إما أن يفرج عنك وهذا خير، وإما أن يدخر الله لك هذا الدعاء في الآخرة فيكون خيرًا لك.

دعاء الكرب من القرآن الكريم

دعاء الكرب
دعاء الكرب من القرآن الكريم
  • ذكر الله الكرب في القرآن العظيم عدة مرات، فذكره وهو يخبرنا عن نوح (عليه السلام) وقد كان في كرب وأي كرب، فقد طال تكذيب قومه له وهو يدعوهم لمدة ألف سنة إلا خمسين عامًا، فقال (سبحانه): “وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ”، الأنبياء: 76
  • فاجتمع عليه تكذيب قومه مع طول المدة وأضيف عليها كفر وتكذيب زوجته لدعوته فقال عنه ربنا (سبحانه): “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ”. التحريم: 10

دعاء الكرب والهم

  • وأيضًا شق عليه كفر ابنه وهلاكه مع الهالكين، ولذا عند تدبر الكلمة نوقن أنه (عليه السلام) كان في كرب عظيم، وجاء في الآية الكريمة قول الله (تبارك وتعالى): “وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ.” الصافات: 115
  • وهو يتحدث عن موسى وهارون (عليهما السلام) وقومهما فبين أنهما كانوا في شدة وضيق وكرب أيضًا ووصفه ربنا أيضًا بأنه كرب عظيم وهو أنهم هما وبني إسرائيل كانوا يُعذَّبون من فرعون عذابًا شديدًا.
  • فكان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وكان يتجبر عليهم بتشغيلهم بالأعمال المهينة، ولذا فلا يسمى ما كانوا فيه ضائقة أو شدة بل يسمى كرب لشدة الألم ولطول المدة.
  • لهذا شُرع للإنسان المكروب أن يدعو الله (سبحانه وتعالى)، فمن ينجيه من كربه وضيقه إلا الله، فيقول الله (سبحانه): “قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ.” الأنعام: 64

دعاء تفريج الكروب

  • وليس للمضطر المكروب من أحد ينجده من أزمته إلا الله (سبحانه) فهو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء فيقول (سبحانه): “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ.” النمل: 62
  • ويكفي المضطر أن يدعو الله بأي دعاء فيكشف الله ما به، فهذا ذو النون نبي الله يونس (عليه السلام) بعد أن أُلقي في البحر والتقمه الحوت لتلتف حوله ظلمات ثلاث، ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، ولم يكن أحد من الخلق مهما كانت قوته المادية أن يدركه وينقذه.
  • فتوجه إلى الله بهذه الكلمات التي لم تشتمل على دعاء بل اشتملت على ذكر وثناء على الله فحسب، فقال (سبحانه) حاكيًا الموقف: “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.”
  • ولكن الله احتسب هذه الجملة التي ليس فيها طلب احتسبها دعاء فاستجاب له، فقال (سبحانه): “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ.” الأنبياء: 87-88

دعاء الكرب من السنة النبوية

دعاء الكرب
دعاء الكرب من السنة النبوية

دعاء الرسول عند الكرب

واعتبرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مفتاحًا للدعاء المستجاب، فعَنْ سَعْد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.” رواه الترمذي وصححه الألباني

وقال العلماء أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء فيقوله الإنسان ثم يدعو بعد ذلك بما يشاء، لأنه يشتمل على اسم الله الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وإذا سئل به أعطى.

فأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “ألا أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس، فقال رجل: هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: ألا تسمع قوله: “ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين”.

دعاء كشف الكرب والبلاء

وقد جاء تأكيد آخر على أن اسم الله الأعظم في دعوة ذي النون ما جاء عن كثير بن معبد قال: سألت الحسن بن علي (رضي الله عنهما) عن اسم الله الأعظم قال: “أما تقرأ القرآن؟ قول ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.”

لذا فأفضل شيء للمكروب أن يكرر هذا الذكر عند اشتداد الكرب عليه، لأنه يجمع بين فضيلتين، فهو دعاء الكرب من القرآن الكريم وأيضًا دعاء الكرب من السنة النبوية مجتمعين في وقت واحد.

دعاء الكرب الشديد

كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا اشتد عليه الكرب يقول هذا الدعاء:

فعَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) كَانَ يدعو عِنْدَ الْكَرْبِ: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.” رواه البخاري ومسلم

وأيضًا هذا ليس دعاء بل هو ذكر، ولكن أفضل الدعاء هو الإقرار بعجز المرء عن الإتيان بأي فعل ينفعه ويقر لله بصفات كماله وجلاله بتوحيده وتنزيهه عن كل نقص، فلذلك هو دعاء الكرب الشديد فبصدق إخلاصك لله ولجوئك إليه وحده في شدة كربك تكون نجدة ربك لك.

دعاء الكرب الشديد يا ودود

يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني”.

أفعال لتفريج الكرب

دعاء الكرب
أفعال لتفريج الكرب

من الأفعال التي يجب أن يواظب عليها المسلم لتفريج كربه:

تقوى الله

  • أن يتقي الله (سبحانه وتعالى)، فتقوى الله رأس كل خير، والله (تعالى) يقول: ‏”‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏.” ‏الطلاق‏: 2-3
  • أي أن الذي يتقي الله يجعل له من كل ضيق أو كرب مخرجًا ويفتح له كل أبواب الخير التي ينتظرها وقد روي عن أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم”‏‏، فتقوى الله جماع كل خير في الدنيا والآخرة وتدفع كل شيء في الدنيا والآخرة.

الصلاة

  • أن يهرع المسلم عند الكرب إلى الصلاة، لأن الله (عز وجل) قال: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ.” البقرة: 45
  • ولأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان إذا اشتد عليه أمر وصعب عليه تدبر أمره فيه كان يهرع إلى الصلاة، فعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنهما) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم): “كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.” رواه أبو داود وحسنه الألباني

التوبة والاستغفار

  • أن يتوب إلى الله ويستغفره، فالتوبة والاستغفار يفرجان الكرب، فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.” رواه أبو داود وابن ماجه

الدعاء

  • أن يكثر من الدعاء لأن الله (سبحانه) يقول: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.” البقرة: 186، فالله (عز وجل) يطلب منك أن تدعوه في كل أوقاتك وأزماتك ووعدنا بالإجابة.

كيف يمكنك بدعاء الكرب أن تفرج الكرب عن الآخرين

بالدعاء لهم والأفضل أن يكون بظهر الغيب، أي تدعو لأخيك وهو لا يراك أو يعلم بدعائك له، فإن لك ملكًا من الملائكة يؤمن على دعائك بل ويدعو لك بالمثل، فما ظنك لو دعوت الله لأخيك ولنفسك بلسان لم يعص الله قط، فهذا أبلغ في الدعاء.

فعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلم): “مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ.” رواه مسلم، وفي رواية له عن أبي الدرداء مرفوعًا: “مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ.” رواه مسلم

ثم تقدم المساعدة على قدر استطاعتك فإنك إن قضيت له ما يشغله كتب الله لك الأجر العظيم وإذا لم تتمكن فلم تقض كان لك الأجر، فالأجر محتسب لك سواء قضيت الحاجة أم لم تقض.

فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: عن النبي (صلى الله عليه وسلم): “من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يومًا -أي يظل في المسجد للعبادة فقط في المسجد يومًا- ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين.”

وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رجلًا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: “يا رسول أي الناس أحب إلى الله، فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي له دينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرًا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبَّت الله قدميه يوم تزل الأقدام.” رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *