الأسر الأصيلة تعتني بمن لديها من رجال ونساء تقدم بهم العمر وأدوا رسالتهم في الحياة، وشاركوا في العمل والإنتاج وتربية الأبناء والأحفاد، وقد حان الوقت ليعتني بهم الآخرون بعد أن أصبحوا غير قادرين على إعطاء المزيد من الجهد، ونحن في أشد الحاجة إلى من يذكرنا بذلك؛ فالعصر الحديث تسبب في نشأة نماذج مشوهة ومفككة للأسر جعلت كبار السن يعانون بشكل كبير نتيجة الإهمال والترك.
يصبح الإنسان كبيرًا في السن إذا وصل إلى مرحلة عمرية تعوقه فيها حالته الجسدية عن أداء بعض الوظائف والواجبات الاجتماعية، وفي هذه المرحلة عادة ما يكون الأبناء قد استقلوا وأنجبوا الأحفاد، ويكون الأجداد قد وصلوا إلى سن التقاعد.
تعتبر معظم دول العالم أن المسن هو من تعدى عمره الخامسة والستين حيث يصبح الجسم أقل نشاطًا وتظهر البقع الجلدية والتجاعيد ويتحول لون الشعر إلى الرمادي، ويقل تدفق الدم إلى الأعضاء وتتراجع قدرات الجهاز المناعي ويتغير الصوت ويضعف السمع والبصر، كما تقل لديهم القدرات المعرفية، وتنخفض القدرة على التذكر.
ويمكن أن يصاب كبار السن بالزهايمر أو بنوع من أنواع خرف الشيخوخة الأخرى، فيعاني المسن من النسيان والهياج ويصاب بالاكتئاب وبعض المشكلات العقلية والعصبية.
إن معرفة الإنسان بأنه يفقد مع الوقت الكثير من القدرات حتى لو لم يشعر بذلك يمكن أن تغير نظرته لكبار السن، فيساعدهم في وقت احتياجهم، حتى يجد من يساعده عندما لا يتمكن من رعاية نفسه، وعلى سبيل المثال:
اهتمت الأديان والشرائع السماوية باحترام كبار السن وأوصت برعايتهم، ولقد نظر الله إلى كبار السن فرحم ضعفهم وعفا عنهم، إلا أنه في العصر الحديث يعاني هؤلاء من الترك والإهمال حتى إذا كان المسن يعيش بين أبناءه وأحفاده، ويعاني من الوهن وقلة الحيلة، ويذوق الحزن ومرارة الفقد وهو يشيع رفقاء الأمس إلى مثواهم الأخير، وينتظر يومه الآتي.
احترام الكبير سنّة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا.” (حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي).
ولذلك من الواجب على أفراد الأسرة جميعًا الاهتمام بكبار السن وتوقيرهم، وعدم جرح مشاعرهم، فالأيام المتبقية لهم على هذه الأرض قليلة، وهم في أمس الحاجة للعناية والاهتمام.
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.)
لقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام رفيقًا بكبار السن، وكان يذكّر الشباب بأن الشيخوخة هي مرحلة عمرية قادمة فلا يغتروا بالشباب وبما هم فيه من قوّة، حتى يكتب الله لهم من يساعدهم عندما يبلغون مرحلة الشيخوخة ويفقدون قدراتهم التي يمتلكونها الآن، وفي ذلك جاء الحديث التالي:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ”
وفي فضل إكرام المسنين جعل الرسول ذلك من إجلال الله عز وجلّ كما جاء في الحديث التالي: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”
وفوق كل ذلك فإنه من الأداب المرعية في الإسلام تسليم الصغير على الكبير كما جاء في الحديث التالي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ”
والشيب أزهار يا سلم من رجل *** ضحك المشيب برأسه فبكى
الشاعر دعبل الخزاعي
فأقصر جهلي اليوم وارتد باطلي *** عن الجهل لما ابيض مني الغدائر
الشاعر أبو الطيب المتنبي
رأيت الشيب تكرهه الغواني *** ويحببن الشباب لما هوينا
فهذا الشيب تخضبه سوادا *** فكيف لنا فنسترق السنينا
الشاعر الأنباري
ذهب الشباب فما له من عودة *** وأتى المشيب فأين منه المهرب
الإمام علي بن أبي طالب
أيا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
الشاعر أبو العتاهية
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش *** ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
الشاعر زهير بن أبي سلمى
تُعرف عملية التقدم بالسن أو الشيخوخة بأنها مرحلة تصيب الكائنات الحيّة تؤدي إلى تدهور العمليات الحيوية وتلف الأنسجة المختلفة من الجسم، ولذلك كان حلم الشباب الدائم يراود الناس منذ القدم، ونالت مرحلة الشيخوخة مساحة واسعة من الأبحاث والدراسة في العصر الحديث لمعرفة ما يحيط بها من مشكلات اقتصادية ونفسية وجسدية.
وبحسب تعريف الأمم المتحدة يُعد الإنسان مسنًا إذا ما بلغ المرحلة العمرية من 60 – 65 عامًا، وبعض الدول تعتبر أن الرجل يصبح مسنًا إذا ما بلغ من العمر 60 عامًا، وأن المرأة تصبح مسنة إذا ما بلغت من العمر 50 عامًا.
والكثير من الناس يضيقون ذرعًا بكبار السن وينصرفون عنهم إلى عالمهم ومشاغلهم، فيعاني هؤلاء من الترك والإهمال بعد أن قدموا في شبابهم الكثير من الوقت والجهد لرعاية أحبائهم وأدوا ما عليهم من واجبات تجاه المجتمع، ولكن لو تذكر كل إنسان أن الحياة قصيرة، وأن المقاعد تتبدل وسرعان ما سيجد الإنسان نفسه في مكان هؤلاء يبحث عن الرعاية والاهتمام، سيقوم بواجبه تجاه كبار السن ويؤدي واجبه تجاههم.
في اذاعة مدرسية عن اليوم العالمي للمسنين نجد أنه في يوم 14 من ديسمبر من عام 1990 قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت على جعل الأول من أكتوبر من كل عام مناسبة للاحتفال باليوم العالمي للمسنين، وتم الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى في عام 1991 وفي هذا اليوم يتم رفع الوعي العام بمشاكل المسنين ووسائل رعايتهم، وما يتعرضون له في مختلف أنحاء العالم من سوء معاملة.
الكثير من البلدان تحتفل بيومها الخاص لتكريم المسنين كما هو الحال في يوم احترام المسنين في اليابان، واحتفال التاسع المضاعف بالصين، ويوم الأجداد في كندا.
يشارك في احتفالية اليوم العالمي للمسنين، كبار السن من الرجال والنساء، والمؤسسات الحكومية المعنية برعاية المسنين وتقديم العون لهم، والمؤسسات الأهلية الخدمية، والعائلات والأسر التي لديها مسنين، والعاملون بالرعاية الصحية وتأهيل كبار السن.
عزيزي الطالب – عزيزتي الطالب، إن عليك واجب في تقديم الدعم والحب والاهتمام لكبار السن من الأسرة سواء كانوا الأجداد والجدات أو الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات، وبالطبع الوالدين عند بلوغهما سن الشيخوخة، فقد أوصى الله -عز وجل- بهما.
وفوق ذلك عليك أن تقدم لشيخوختك منذ الآن باعتماد نمط حياة صحي حتى لا تحتاج إلى الدعم من الآخرين عندما يتقدم بك السن وتصبح عبئ قد ينوء به المحيطين بك، أو تجد نفسك وحيدًا غير قادر على رعاية نفسك.
في ختام إذاعة عن المسنين نذكركم أصدقائنا، أن كبار السن أمانة في أعناقنا، والله تعالى ورسوله أوصانا برعايتهم وتوقيرهم، وخاصة إذا كان هؤلاء من الأقربين مثل الوالدين، فالله وعد من يبر والديه بخير الثواب في الدنيا والأخرة، وجعل من ثواب الإنسان البار بوالديه في الدنيا أن يبره أبناءه في كبره، فلا تضيع عليك عزيزي الطالب – عزيزتي الطالبة هذا الثواب العظيم.