إذا أردت النجاح فاستعِن بالنظام في كل أمورك، هكذا قال الأسبقين من العُلماء والفلاسِفة وأصحاب المناصب الرّفيعة. النظام لديه القُدرة على ترتيب حياتك في خطوات مُتسلسِلة مليئة بالإنجازات وتحقيق الأهداف، مما يدفعك لاستكمال طريقك المُختار، وعندما ننَظُر لنظام الكون نجد أن الله – عزوجل- قد أعطانا في تنظيمه رسالة هامة لكي نستعمله في حياتنا.
وراء كل ناجح خطة مُحكمة ومُرتَّبة الخطوات، فالنظام من أكثر الأشياء أهمية في حياة البشر مُنذ بداية الخليقة، فنجد أن دورة حياة الإنسان حافلة بترتيب متناهي الدِقة مُنْذُ الولادة وحتى الممات.
إذا تأملت في ما يحدُثْ حولك، فلن تجِد شخصًا نَجَحَ صُدفة أو مشروع بدأ واستمر في جني ثِمار جُهدهُ بطريقة هوجائية، بل اتبع الجميع خطوات مُحددة موضوعة بحَذَر استغرقوا في إنشائها أوقات طويلة، ولكي تكون شخصًا رائدًا تسعى لعمل بصمة في حياتك، عليك بالتفكير في شيء واحد، وهو (ما هي الخطة لكي أكون كذلك؟ وكيف سأقوم بتنظيمها؟).
يُعرَفْ النظام بأنه مجموعة من العناصر والأدوات التي تُرتّب معًا لتيسير فِعل الأشياء وتحقيقها بشكل مُتكامل. تختلف مكونات النظام باختلاف البيئة التي يُنشأ فيها، وتتنوع مع تنوع الأهداف فقد يكون لدى الشخص الواحد أكثر من هدف يسعى لتحقيقه، فإذا وضع خطة لتحقيق هذه الأهداف سيكتشف أن لكل هدف بيئة نظامية مُتكاملة وتختلِف عن بيئة الهدف الآخر.
إن التربية على احترام الوعد أمر هام حيث يُعتبر جزء كبير من النظام، فشؤون الدول تُقام على الانضباط والنظام الصارم وإذا حدث أي خلل به، قد ينتُج عنه مشاكل تُدمِّر بُلدانًا، لذلك تحرص أغلب الأُمم على تعليم الانضباط الناتج عن النِظام لطُلابهم في جميع المراحل التعليمية.
لم يخلِق الله أبينا آدم وحيدًا بل جعل له ونيس، وقد نستنتج من ذلك أن الإنسان كائن اجتماعي يُحِب العيش في جماعات من البشر، ولكي تنجح هذه التجمُّعات في الاستمرار يجب عليهم وضع قوانين وحدود في التعامُلات بينهم للحفاظ على الحُرِّيات والخصوصيات ولكي يتم تقسيم العمل عليهم بالتساوي، حتى ننعم بالرخاء والمُساواة والعدالة، ويجب أن نُحاسِب من يكسِر هذه القواعد ونُكَرِّم من يتبعها حتى يكونوا عظة للآخرين.
تُعتبر المدرسة ثاني البيئات تأثيرًا على نشأة الطِفل بعد الأسرة، فقد تجعل الشخص قادرًا على تحمُل مسؤوليته، أو تُخرِج أشخاصًا غير قادرين على فِعل الصواب لأنفسهم أو للآخرين، ولكي نستطيع تنشئة جيل قادر على بناء مُجتمع يجب علينا زَرْعْ نبتة النظام في قلبه حتى يتأثر بها في كل أمور حياته المُختلِفة فيكبر على غذاء عقلي سليم، يُسهِّل عليه طُرُقات حياته في المُستقبل.
إذا تحدثنا عن الدول العُظمى سنجد أن النظافة والنظام أكثر صفتين متواجدتين فيهم، لأنهم بكل بساطة يُظهرون مدى وعي شعوبِهم. النظام يُخلِّصهم من جميع الشوائب المُتعلِّقة بالتفكير فيجعل العقل أكثر إدراكًا للحياة، والنظافة تُسعِد من حولها لأنها تجعل الأمور أكثر ترتيبًا، فتُسهِّل علينا إنجاز الأفعال اليومية التي تسعى لتحقيق الأهداف السامية.
يعلم الجميع أن للنظام أهمية كبيرة ولكنهم لم يدركوا مدى تأثيره عليهم، ولم يُفكِّروا في أين تكمُن هذه الأهمية، فنستطيع القول أنها تتواجد في الآتي:
هُناكَ أنواع عديدة للنظم لأنها تعتبر شيء أساسي لا غنى عنه في جميع أمورِنا الهامة، ومن ضِمن هذه الأنواع ما يلي:
عاش البشر قديمًا في حياة مُماثِلة للغابة، لا توجد قيود وقواعِد تحكُم العيش فيها بطريقة صحيحة حتى أن توصّلنا لتكوين القبائل والمُجتمعات الصغيرة، ثم توّسعَتْ السياسة وتحولت إلى قوانين توضَعْ بدستور ولوائح في بُقع من الأرض تُعرَفْ بالدول، وبداخل كل دولة مُعاهدات ومُنظمات تحكُم علاقاتها من الداخل والخارج، حتى يعُم السلام وفتح الأفق للأذهان لمُواكبة التقدُّم وسد الاحتياجات الخاصة بالمواطنين.
إذا تحدثنا عن الاقتصاد فلا شك من وجود السياسة بداخله، فكلاهما يؤثِّر على الآخر. عرف الإنسان النُظُم الاقتصادية مُنْذُ أن استسلم لشعور الاحتياج الفطري بداخله فحتى يُشبع رغباته المُستمِرّة كَوّن طريقة المُبادلة إلى أن نشأت العُملات، ومرّ الاقتصاد بمراحل كثيرة حتى تَفرّع منه أنواع كثيرة تختلف باختلاف سياسة كُل مُجتمع وبدونهم لما كُنا نُفكِر في التجارة والصِناعة وتقدُّمهم حتى وصولنا للوقت الحالي.
يرتبط هذا النوع بالفرد في جميع نواحيه الإنسانية والعقلية وعلاقاته مع من حوله وسلوكه وعاداته وتقاليده وحُرّيته، وكيفية ممارستها ووضع قيود لها حتى لا يتعدى على حُرّية الآخرين.
هذا النوع يعمل على تنظيم العلاقات بين الدول وبعضها، كما يُساعد على التواصل بشكل أسرع بينهم، ونشُر الثقافات والعادات والطُرُق التي تُساهم في عقد الاتفاقات الدولية لتبادُل الجوانب الأساسية التي تعمل على رفاهية المواطنين والمجتمعات بأكملِها.
لم نجني من الفوضى والإهمال سوى تراكم الأعمال التي ستُزيد من حِمْلْ الأعباء على عاتقنا، فسنُصاب بالوَهَن ونتكاسل عن تحقيق أي شيء، بدلاً من أن نُنجِز ما تأخر من خطواتنا، وإذا أردنا أن نَضع أوطانِنا في قائمة الدول المُتقدِّمة، فسنجد أن سِر تقدُّمهم يدور حول توظيف النظام بجودة في كل مجريات الأمور ومُحاربة الكسل بشتى الطُرق.
لم ينزل الله أي رسالة بشكل فوضوي بل كان يُشكلها بنظام إبداعي يصعُب على البشر إفساده، إذا تأملنا الدين بأكمله فسنجده مُتشعِّب مثل خيوط العنكبوت وكل خيط مُرتبط بغيره حتى يُكوّن رُكنًا أساسيًا في مظاهر العِبادات التي وضعها الله -عز وجل- لنا في الدين الإسلامي. والجدير بالذِكر أن جميع الأركان مُحددة بزمن مٌعيّن، على سبيل المثال الصلاة بها 5 أوقات مُثبتة بطريقة مُنظمة ولا نستطيع تقديم فرض على الآخر.
عندما نقرأ تاريخ الدعوة نرى أن الله أمر بنشرها بأُسُسْ متتالية، فقد أبقى الله -عزّ وجل- الرسول سنوات بمكة ثم أمر بهجرته إلى المدينة، وبعد ذلك توالت الفُتُوحات. كما نجد أن تاريخ نزول آيات القرآن كان مُرتبطًا بمواقف ولم تنزل جميعها مرة واحدة حتى نأخذ الحِكمة من القِصة المُنزلة فيها.
أخبرنا عُلماء الطبيعة عن القوانين الرياضية والفيزيائية التي اكتشفها الإنسان لفك الشفرات الخاصة بأسرار الكون ونظامه القوي الرادع لأي تغيير وفوضى، ومدى قوة أساسيات هذا النظام رغم أن جميع الأشياء تأخُذ شكلًا روتينيًا؛ فإذا شاهدنا الفضاء الخارجي نجد ملايين المجرّات خُلِقت بنفس الطريقة وبها الكثير من النجوم تجذب مجموعة من الكواكب القريبة إليها، والكواكب تدور حولها أجرام سماوية (كالأقمار) بسبب قوة تأثير الجاذبية.
إذا شاهدنا البيئة النظامية على كوكب الأرض فقط، سنُلاحظ حركة الشمس والقمر ورؤية الليل والنهار وآثارهما، ثم نستشعِر تقلبات درجات الحرارة فنُدرِك وجود الشتاء والصيف والربيع والخريف حتى في وجودنا نرى النظام بجميع مراحل حياتنا، فنُلاحظها في حركة سريان الدم وعمل الأعضاء وحركة العضلات الإرادية واللا إرادية، فحياتنا أشبه بخطة كبيرة لا نستطيع أن نكسر قواعدها وإذا حَدَثَ تغيُّر بها ولو قليل قد ينهار العالم بأكملِه.
إن النظافة البيئية واجب نحو المُجتمع يُلزمنا بالانضباط بقوانين وقواعد رادعة نضعها بيننا وبين أنفسنا أولًا قبل أن نفرضها على الآخرين فيجب علينا الانضباط بنظام الشارع، من خلال الالتزام بقواعد إشارات المرور والحفاظ على النظافة والهدوء.
واجب على كل أسرة وهيئة تعليمية أن تُعلِّم الأطفال الحفاظ على نظام المدرسة لأنها أساس نجاح الدولة بأكملها. كل مكان وله مبادئهُ فالحدائق العامة متواجدة للتمتُع بالطبيعة دون الإخلال بمظاهر الجمال بها، وكذلك في المكتبات فهي منبع الثقافة ولكن عليك باحترام نظامها في بادئ الأمر، وهكذا مع جميع الأماكن العامة المُنتشِرة حولنا.
هُناك نوع آخر للنظام يُعلّمنا المعنى حقيقي للحياة السليمة، وهو النظام الأُسري. الأسرة هي أول بيئة يعرفها الطِفل فيكتسب منها أغلب عاداته النافعة والسيئة، فواجب على كل أم وأب تربية أولادهم بعملية أكثر من استعمال طُرق الإشباع العاطفي أو الصرامة والاستبداد الغير مُجدي.
العمل والنِظام وجهان لعُملة واحدة، لذا فإن العلاقات في بيئة العمل قد تكون وطيدة، أو فوضوية متهالِكة لا فائدة منها، ولكي نخلِق عمل مُنظم يجب اتباع ما يلي:
يحثّنا النظام على ترك النظرة الخيالية واستعمال الجانب الواقعي في حياتنا، ويجعلنا أكثر قُدرة على فِهم شخصيتنا ويٌعرِّفنا متى سنحتاج إلى العمل؟ ومتى سنُريد المرح؟
فالعمل وحده سيحول الإنسان إلى آلة لا تشعُر ولا تحلُم بالتجديد، أما كثرة المرح ستُفقدنا قوة شخصيّتنا التي خلقها الله داخلنا بالفِطرة، عِندما جعلنا أسياد الكون وسخّر لنا جميع المخلوقات لخِدمتنا وراحتِنا. والجدير بالذِكر أن النظام يستطيع موازنة الجوانب الشحصية للفرد بأعلى دِقة مُمكِنة.
جميعنا يعلم أن القول أسهل من الفِعل بأضعاف، فإذا لم تكُن من مُتَّبِعي النظام فستعاني بشِدة حتى تتأقلم على صرامته، ولكن أحيانًا الدُنيا تُجبرنا على فِعل الأشياء حتى ولو لم تكُن من صِفاتنا أو من العادات التي تربينا عليها، فاعلم أن طريق تحقيق الأماني شئ ممتلىء بالعراقيل ولكن إذا لم تكُن صلب الإرادة ومنظم الفِكر، تستعين بخطط رئيسية وبديلة فلن تنجو من أول عقبة تواجهك.