إن الماء أحد أهم أنعم الله على الكائنات كافة، فهو إكسير الحياة، وأهم شرط لاستمرارها، وهو أول ما يبحث عنه العلماء عندما يرسلون آلاتهم إلى الفضاء ويوجهون أجهزتهم صوب الكواكب والأجرام السماوية للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض.
وعندما تضنّ السماء بالمطر يصبح البشر والكائنات كافة في حالة من الخوف والقلق على حياتهم، فيهرعون إلى مُرسل السحاب وُمنزل المطر من السماء يطلبون منه السقيا، فيستجيب بفضله ويرسل الغيث بعدما قنطوا.
قال تعالى: “إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.”
خطبة استسقاء
الحمد لله الذي أنزل من المعصرات ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وسقى به البشر والشجر والطير، أما بعد؛ إن صلاة الاستسقاء من العبادات التي مارسها الكثير من الأنبياء والرسل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنبي الله موسى قد استسقى لقومه كما جاء في قوله تعالى: “وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.”
ومن قبل موسى دعى خليل الله إبراهيم ربّه بأن يتعهد أهله بالسقيا والرعاية كما جاء في قوله تعالى: “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.” فأعطاهم الله ماء زمزم الذي يتدفق بإذنه إلى يومنا هذا.
وصلاة الاستسقاء في الإسلام هي سنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن تقام في الصحراء مثلها مثل صلاة العيد، ويوجد ما يشبه الإجماع من الفقهاء على ذلك، بما فيهم المالكية والشافعية والحنابلة.
ومن الأدلة التي وردت على صلاة الاستسقاء في سنة النبي ما رواه عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عاصمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ إلى المصلَّى، فاستسقى، فاستقبلَ القِبلةَ، وقلَب رِداءَه، وصَلَّى ركعتينِ”
وكذلك في حديث السيدة عائشة بنت أبي بكر حيث قالت: “شَكَا الناسُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قحوطَ المطرِ، فأمَرَ بمِنبَرٍ فوُضِع له في المصلَّى.”
لذلك أدعو الله وأنتم موقنون بأنه قريب مجيب الدعاء، وأخلصوا له ولا تتوانوا في الدعاء، عسى أن يسقينا من لدنه ماءً غدقًا، يروي به الأرض العطشى وما عليها من نبات وحيوان. ولقد بالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في التضّرع إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء من أجل أن تمطر السماء وهو الحبيب الذي يسأل فيجاب بإذن الله.
خطبة استسقاء مؤثرة مكتوبة
اللهم بك نستعين وإليك نلجأ وعليك نتوكل، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم يا مالك الملك، أغثنا برحمتك وافتح لنا من خزائنك، إنه لا ينقص منها عطائك، اللهم أدركنا فليس من دونك سند، اللهم إليك المستند وعليك المعتمد، وبك نستعين على ما ألم بنا من جفاف، اللهم لا تحبس عنا المطر بالمعاصي، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
اللهم أنزل علينا ماءً تطهرنا به من كل الأضرار وتخلصنا به من كل دنس، اللهم أرسل علينا الرياح اللواقح، التي تبشر بالمطر، اللهم بجاه نبيك الكريم، وببركة عبادك الصالحين، أغثنا بالمطر، اللهم بآيات الذكر الحكيم: “أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً.” أدركنا بالمطر.
استغفروا الله يا عباد الله وتوبوا إليه ينزّل عليكم من السماء ماءً مباركًا ينبت لكم منه الحب والثمار، ومن كل زوج بهيج، قال تعالى: “وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا”.
إن اجتماعنا اليوم من أجل أن نسأل الله جلّ وعلا أن يسقط علينا المطر، وأن يدركنا فبدونه لا حياة لنا، ولا حياة لأي من الكائنات الآخرى، ونحن في ذلك نستن بسنة نبينا الكريم الذي علمنا اللجوء إلى الله في كل كبيرة وصغيرة، وفي كل ما يعرض لنا من أمور، فبه وحده الفلاح والصلاح والفوز العظيم، يقول ابن قدامة: “صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بسنة رسول الله، وخلفائه.”
وصلاة الاستسقاء لمن لا يعرف تقام من ركعتين في الوقت الذي يحتبس فيه الماء، بشرط أن لا تقام الصلاة في أوقات الكراهة، ويجهر الإمام في الركعة الأولى بالصلاة حيث يقرأ الفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى، ثم يقرأ في الثانية الفاتحة وسورة الغاشية.
وصلاة الاستسقاء لا يشترط لأدائها خطبة ولا آذان، وهي تقام في جماعة، ومن السنة أن يعكس الخطيب ردائه بعد أن ينتهي من الخطبة سواء قبل الصلاة أو بعدها. كما يسن رفع اليدين في الدعاء والتضرع إلى الله مخلصين له الدين.
ومن دعاء النبي المصطفى الهادي عليه الصلاة والسلام في صلاة الاستسقاء: “الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين”.
خطبة استسقاء قصيرة
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، رب كل شئ ومليكه، والسلام على من لا نبي بعده، إن نزول القحط بأرض داعيًا إلى العودة إلى الله، والتضرع إليه من أجل أن يرسل المطر، ويعيد الحياة للأرض العطشى، ويمنّ على الناس بسقيا خير، يطهرهم بها، ويحسن معافاتهم.
ويشرع أن يصلي الناس صلاة الاستسقاء إذا ما حل الجفاف بأرض غير أرضهم، لعل الله يمن عليهم بالخير والبركة، كما يشرع للمسافرين أن يصلوا صلاة الاستسقاء، إذا احتاجوا إلى الماء أثناء السفر، وكلما حلّ القحط، ونزل الجفاف بأرض أحلّ الله لهم التضرع إليه ومناداته أن يرفع عنهم ما ألم بهم من أذى.
ويستحب في حالات انحباس المطر أن يتصدق الناس، ويصومون ويتوبون عن المعاصي، يقول ابن قدامة: “وليس لوقت الاستسقاء وقت معين، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف، لأن وقتها متسع، وبعد الصلاة يقوم الإمام خطيبا مضمنا خطبته وعظا وإرشادا للناس، وسؤالا للخالق سبحانه بنزول المطر.”
وصلاة الاستسقاء مثلها مثل صلاة العيد، فهي عبارة عن ركعتين جهرًا، وفيها نفس عدد التكبيرات، حيث يكبر المصلون سبع تكبيرات في الركعة الأولى، وخمسة تكبيرات في الركعة الثانية، وبعد التكبير يقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة، ويقرأ الأعلى في الركعة الأولى والغاشية في الركعة الثانية.
ويخطب الخطيب بعد أداء الصلاة خطبة هي أشبه بخطبة العيد يبدأها بالتكبير وحمد الله والثناء عليه، ويدعو الله تضرعًا وخيفة كما أمرنا، ويستغفره ويطلب منه سقيا الماء، ثم يوجه وجهه نحو القبلة بعد الانتهاء من أداء الخطبة، ثم يحوّل الرداء، ويقتدي المصلون به في عمل نفس الشئ.
ومن الجائز شرعًا أن يستسقي الناس ربهم بدون صلاة، فيبقون في المسجد ويدعون الله أن ينزل عليهم المطر، وذلك لأن صلاة الاستسقاء لا ركوع فيها ولا سجود، فهي من ناحية الشكل أشبه بالدعاء والتضرع إلى الله. هذا والله أعلى وأعلم.
