فضل المداومة على دعاء الهم من القرآن والسنة

سلوى المغربي
اسلاميات
سلوى المغربيتم التدقيق بواسطة: israa msry9 يونيو 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات

دعاء الهم
دعاء تفريج الهم وزوال الحزن

علمنا الرسول الكريم أن ندعو الله في كل وقت وفي كل حال، فالدعاء قربة من القربات وباب لدخول الجنة، لأن الله يحب أن يُسأل، فهو قريب مجيب، فيقول سبحانه: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.” البقرة 186

فالله بعد أن اخبرنا أنه قريب منا أمرنا بالاستجابة لأمره أي بالدعاء، وقوله “لعلهم يرشدون” أي أن هذا هو باب الطريق إلى الله الذي يحقق الرشاد والهداية.

فضل دعاء الهم والضيق

إذا كان الإنسان في ضيق فمن ينقذه غير الله؟ وما يُطمئن قلبه غير سيده ومولاه؟ ومن يُلاذ به في الشداد غير من إليه تتوجه الدعوات وتُقضَى عنده الحاجات؟

والله (عز وجل) غني وكريم، لا يمنع عن عبده الذي يحبه الدنيا إلا لأنه يحبه، فقال (صلى الله عليه وسلم): “إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء.” رواه الترمذي

ويقول (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: “إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحميه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه.” رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح

لذا فيمكن أن يكون العبد محرومًا من بعض النعم حُبًا من الله وليس عقوبة ولا لكي يذلهم ولكن ليخفف عنهم الحساب فيخرجون من الدنيا بحمل قليل فلا يطول حسابهم.

دعاء الهم

الهموم والأحزان

  • ما أكثر الهموم والأحزان في حياة الإنسان، فما من أحد إلا ويتعرض لها ولغيرها من الضغوط النفسية لذلك عليه موداومة الدعاء لتفريج الهم، فالتعرض للهموم والأحزان ليس هو المشكلة، بل المشكلة الحقيقية في الطريقة التي نتعامل بها لمواجهتها، فمنا من ينهزم أمام الضغوط ويستسلم ومنا من يقاومها ويحاول إيجاد مخرج، ومن هنا يحدث التمايز بين البشر.
  • ودائمًا يظل مصطلح التكيف أو بتعبير أوضح حسن التعامل مع الضغوط والهموم والأحزان هو ما يميز الشخصيات العظيمة التي تداوم على دعاء الفرج والهم فلم يهزمها الحزن ولم تكسرها الضغوط ولم تزلزلها الأحزان.
  • ويجب أن نعلم حقيقة هامة وهي أن الضغوط والهموم والأحزان لا تؤثر على نفسية الإنسان فحسب بل تؤثر أيضًا على صحته البدنية، فهناك كثير من الأمراض النفسجسمانية وهي الأمراض الجسدية التي يكون سببها الأول والرئيسي هو الأسباب النفسية، وتلك الأمراض لا ينجح علاجها الجسدي فقط دون أن يُعالج الإنسان علاجًا طبيًا نفسيًا متوازيًا مع العلاج الطبي الجسدي ويداوم على دعاء الهم والكرب.
  • فالهموم والأحزان تدمر الجسد حقيقة لا مجازًا، فهذه السيدة الطاهرة عائشة (رضي الله عنها) التي برأها الله من فوق سبع سماوات في كتابه المجيد كانت تقول في أيام الشائعة التي أشاعها المنافقون عنها فظلّت تبكي لدرجة أن قالت: “ظننتُ أن الحُزن فالق كبدي.” رواه البخاري ومسلم.
  • وأثر الحزن والبكاء في نبي الله يعقوب (عليه السلام) حتى فقد نور بصره، فقال (سبحانه): “وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ.” يوسف: 84.

الهموم وعدم الرضا

الهموم وعدم الرضا
دعاء زوال الهموم
  • السبب الرئيسي للهموم عند أكثر البشر هو عدم الرضا بما قسمه الله لهم، فعادة ما يتطلع إلى غيره وخاصة إذا كان في ظروف أفضل كثيرًا من ظروفه ثم يعيد النظر إلى نفسه فيحزن ويضيق صدره وربما يكتئب.
  • ولكن إذا سمع نصيحة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين قال: “انْظُرُوا إِلَىَ مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَىَ مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللّه.” رواه مسلم
  • فالإنسان حين ينظر إلى من هو أفضل منه في الدنيا يستصغر النعم التي أنعم الله عليه بها، ويتحول من الرضا إلى السخط، ويتحول من شاكر لنعمة الله إلى ناقم عليها، وبالتالي يحزن ويضيق صدره ويكتئب وتزيد عليه الضغوط النفسية.
  • والإنسان الساخط قد يمتلك نعمة ما أو نعمًا كثيرة ولكنه لا يشعر بالرضا لأنه من داخله ساخط، فالسخط يعمي بصره على رؤية النعم التي يملكها.
  • فعن زَيْد بْن ثَابِتٍ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: “مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ.” رواه ابن ماجه وصححه الألباني
  • وحتى المُنعَم ما لم يكن موصولًا بالله فقد يحمل همومًا كثيرة، إذ يخشى على النعم التي يملكها من أن تزول عنه أو يزول عنها، فيتحول هذا القلق إلى هواجس تخيفه وتكدر عليه عيشه.
  • ولذا علمنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) دعاء الهم والغم ليقوله كل ذي نعمة، فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): كانَ مِن دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ): “اللهم إني أعوذ بك نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.” رواه مسلم

آيات قرآنية عن الهم والغم

ذكر الله البلاء والهم والغم في آيات كثيرة في كتابه ومنها:

  • فيونس عليه السلام نجاه الله من الغم وهو الحبس في بطن الحوت فقال (سبحانه): “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ.” الأنبياء: 88
  • وذكر الله الغم أيضًا في قصة موسى (عليه السلام) حينما كان رضيعًا ووضعته أمه في اليم وهو البحر، ثم مشت أخته بجانبه لكي تطمئن عليه، ولحظتها كانت لحظة هم وغم على الأم وابنتها، فكيف لهما أن يواجها فرعون وجنوده وكيف لهما أن يخلصا الطفل الرضيع منهما.
  • وكان لله تدبير آخر، أن يتربى في بيت فرعون وأن يرده إلى أمه كمرضعة له وأن تحصل في رضاعه على أجرة من فرعون، فقال الله (عز وجل): “إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى” طه: 40
  • والصحابة رضوان الله عليهم كانوا في هم وغم وكرب، إذ وجدوا المشركين في غزوة أحد أكثر منهم في العدد بثلاثة أضعاف فكانوا ألفًا وكان جيش المشركين ثلاثة آلاف، وزاد الأمر شدة حينما انسحب كبير المنافقين بثلث جيش المسلمين فصار عددهم أقل من سبعمائة، فأصابهم الهم والغم وانتفش المشركون.
  • فقال الله (سبحانه): ” ثمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ”، فثبت البقية المؤمنة وقاتلوا ولاحت بوادر النصر وهرب المشركون منسحبين إلا أن خطأ ارتكبه الرماة قلب ميزان الغزوة.
  • وذكر الله الحزن في الآية الكريمة التي نسأل الله (سبحانه) أن يقولها كل منا، حينما يدخل أهل الجنة الجنة، ويجلسون جميعا ليتذكروا الدنيا وما كان فيها، ويتذكروا أن كل ما فيها كان محزنًا ومؤلمًا، وليتفكروا أن الحزن انتهى، وأن الألم قد مضى، وأنهم في دار النعيم حيث لا ظلم ولا غدر، ولا فقد ولا ألم، فيحمدون الله على هذه النعمة العظيمة.
  • فيقول الله (سبحانه): “وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ” فاطر: 34-35

أحاديث نبوية عن الهم والضيق والكرب

أحاديث نبوية
أحاديث نبوية عن الهم والضيق والكرب

في السنة الشريفة أدعية متنوعة لدفع الهموم والغموم والأحزان، فعلى المسلم إذا تملكه الحزن والهم والغم أن يستعين بالله ويدعوه بأحدها أو بها كلها، ونسأل الله أن يفرج عنه ما أهمه وما أغمه، والأدعية هي:

عن عبد بن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان النّبي (صلّى الله عليه وسلّم) يدعو عند الكرب يقول: “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربّ السّموات والأرض، وربّ العرش العظيم.” رواه البخاري ومسلم

أي أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يقول هذا الدعاء ويستفتح به دعاءه ثم يلحقه بأي دعاء بعده لتفريج كربه.

ومن أهم أسباب الكرب هو وقوع الإنسان تحت مطالبة الدائنين له بتسديد ديونه، فما أعظم هذا الكرب، لكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علَّم معاذ بن جبل دعاء لتسديد دينه.

فقال له: “ألا أعلمك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينًا لأدّاه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير، رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك.” رواه الطبراني.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) دعاء مثله للمدين لكي يعينه الله على سداد دينه، فعن علي (رضي الله عنه) أنّ مكاتبًا جاءه، والمكاتب هو العبد الذي يريد تحرير نفسه فيطلب منه سيده أن يعمل في وقت راحته عند غيره ويجمع قدرًا من المال ليحرر نفسه، فقال: إنّي قد عجزت عن كتابتي فأعنّي، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لو كان عليك مثل جبل ثبير (هو جبل أو مجموعة جبال تحيط بمكة المكرمة ) دينًا أدّاه الله عنك، قال: قل “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.” رواه أحمد وحسنه الألباني

والصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) باب عظيم من أبواب دفع الهموم والغموم عن الإنسان، فإكثار الصلاة والسلام عليه يغفر الله بها الذنوب ويكفي الله بها العبد همومه، فعن أبي بن كعب (رضي الله عنه) قال: “قلت يا رسول الله إنّي أكثر من الصّلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النّصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفي همّك، ويغفر لك ذنبك.” رواه الترمذي

وتقول السيدة أسماء بنت عميس (رضي الله عنها) وهي كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهاجرت معه إلى الحبشة ومات شهيدًا في غزوة مؤتة وترك لها أطفالًا صغارًا فزادت عليها الهموم فقال لها الرسول (صلى الله عليه وسلم): “ألا أعلمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب: الله، الله ربّي لا أشرك به شيئًا.” رواه أبو داود وصححه الألباني

وروت مثله السيدة عائشة (رضي الله عنها) ونصه: “إذا أصاب أحدَكم غمٌّ أو كَربٌ فليقُلِ: اللهُ، اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا.” رواه ابن حبان وصحح الألباني

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *