ماذا تعرف عن تعريف الرضا؟ وما الفرق بينه وبين القناعة؟

 

الرضا وأساسياته

ما هو تعريف كلمة الرضا؟ ما هو مفهومه؟

كثير منا يتكلم عن الرضا ويصف به حاله، وهو مبتعد تمامًا عن مفهومه، بل هو إلى ضده أقرب، فالرضا قبل أن يكون بتقبيل الأيدي وجهًا وظهًرا هو حالة قلبية مَحلها في القلب وتظهر بعد ذلك على التصرفات والأفعال التي يقوم بها الإنسان.

تعريف الرضا

وقد وضح العلماء معناه، فعرّفه ابن عطاء الله السكندري بقوله الرضا: “هو سُكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل، فيرضي به والرضا ثمرة من ثمار المحبَّة، وهو من أعلى مقامات المقرّبين، وحقيقة غامضة على الأكثرين”، وقالوا أيضًا أن الرضا هو سكون القلب إلى اختيار الرب؛ أي إنك تهدأ وتقر عينا بما اختاره الله لك سواء كان اختيار ربك لك ما تحبه أو ما تكرهه، فتستقبل الحالتين باطمئنان قلب.

وقيل أيضًا: “هو ارتفاع الجَزَع في أي حكم كان”؛ يعني أنك لا تستقبل أي أمر من اختيارات ربك بقضائه وقدره إلا بالسكون القلبي والاطمئنان، وهذا أمر خفي لا يدركه احد من الناس، فلا يطلع عليه أحد ولهذا هو من أجل العبادات القلبية وأكثرها أجرًا.

وعكس الرضا السخط وهو الجزع الذي يستقبل الإنسان به قضاء الله، فالمؤمن الراضي بحكم ربه وقضائه لا يشق الصدور، ولا يلطم الخدود، ولا يقول كلمات الجهل عند المصيبة، ولا يسأل ربه “لمَ فعلت! ولِمَ لمْ تفعل! ولا يقول لمَ فعلت هذا بفلان وليس بفلان!” فكل هذه الكلمات تدل على السخط وليس الرضا.

ولهذا يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): “إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخِط فله السَّخَط” صحيح سنن الترمذي، وكثيرًا ما كان يعلم أمته ويقول “أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ”، رواه مسلم.

والرضا راحة المسلم وجنته في الدنيا، فالمؤمن الراضي لا يشعر بالآلام التي يشعر بها كثير من الناس عند الابتلاء بنقص الأموال أو الأنفس أو الثمرات، فالدنيا عندهم لا تساوي شيئًا إن أقبلت أو أدبرت، فقال عبد الواحد بن زيد (رحمه الله): “الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا وسراج العابدين”.

ولذلك فمن امتلأ قلبه بالرضا امتلأ من غنى النفس الذي هو أعظم أنواع الغنى وازداد من الأمن، فلم يعد يخشى شيئًا ولا أحدًا لأنه في كل الأحوال راضٍ عن قضاء الله فيه وامتلأ بالقناعة، فلم يعد يؤثر فيه نقص أو زيادة المال، فهو قانع بما كتبه وقسمه الله له، وانشغل قلبه بربه وحده فلم ينظر إلى الدنيا، فقلبه مليء بالله مستغنِ به عن خلقه، وصار متوكلًا على الله في كل أموره.

أما من فقد نصيبه من الرضا وحل السخط مكانه، فسيعيش في ألم دائم وحزن مقيم فلا يشعر بسعادة أبدًا مهما كثر مال وزادت أولاده، ومهما أوتي من الدنيا فسيظل يرى نفسه أقل الناس فيها.

ما هو مفهوم الرضا؟

مفهوم الرضا ليس عدم الإحساس بالألم والمتاعب، فكل الناس تتعب وتتألم إذا حل بهم ما يؤلم، وقد قال الله (عز وجل) للمؤمنين بعد غزوة أحد بعد مقتل واستشهاد سبعين من المؤمنين وأسر سبعين آخرين، وأثخنت -أي أضعفت- الجراح أبدان المسلمين جميعًا حتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جُرح في هذه المعركة جروحًا مؤلمة وسال منه الدماء غزيرة (صلى الله عليه وسلم).

فكانت هذه لحظة ألم على الجميع، فقال الله لهم: “وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”، آل عمران (104)، فالمسلم يتألم إذا حل به أمر مؤلم، ولكن الفارق في جملة “وترجون من الله ما لا يرجون”، فهذه هي حالة الرضا بقضاء الله وقدره، فلا يعترض المسلم على قضاء الله ولا يتسخط عليه.

عدم الرضا يفتح على الإنسان باب الشك في ربه (سبحانه) بأنه حكيم يفعل كل شيء بحكمة، فأحيانًا بعض الناس عندما يحل به بلاء يخاطب ربه بجهل، ويقول: “يا ربي لم فعلت كذا؟ ولم تفعل كذا؟ ولم ابتلتني في فلان وتركت فلانا؟”، أو “لمَ أوقعت البلاء في ابني لماذا لم توقعه في أنا!”، وهكذا الكثير من العبارات التي توضح سخطه وعدك رضاه عن قضاء الله (عز وجل).

الرضا هو اعتراف وتسليم من العبد بسِعة علم الله في مقابل جهل الإنسان، فالإنسان علمه محدود ويحكم على الأمور بما يعلمه فقط لأنه لا يعلم إلا القليل، كما قال ربنا (سبحانه): “وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” الإسراء (85)، فلعل ما تنظر إليه وتعتبره خيرًا قد يكون في الحقيقة والمآل شرًا، وما تعتبره وتظنه شرًا وقع بك قد يكون في الحقيقة والمآل خيرًا كثيرًا.

وبالتالي بالمؤمن الحق من يسلم لربه وخالقه في تدبير أموره فهو أعلم بما يصلحه وينفعه وبما يضره ويؤذيه، ولذا في دعاء الاستخارة لا يدعو العبد بشيء يتمناه أو دفع شيء لا يرغبه بل يوكل الأمر كله لله لاختيار ما ينفعه ويطلب من ربه أن يرضيه بما يختاره له.

فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما علمنا من دعاء الاستخارة: “اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويُسميه بعينه من زواجٍ أو سفرٍ أو غيرهما) خيرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه) شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به” رواه البخاري.

فتطلب من ربك العليم بكل شيء القادر على كل شئ أن يرشد ويختار لك وتطلب منه أيضًا أن يوفقك للرضا ويأخذ بناصيتك إليه، والرضا يفتح الباب للعقيدة فتثبت وللطاعات كلها فتستمر، فينتج عنه الصبر على البلاء والشكر عند النعماء، وهما الإيمان كله، كما ورد عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “الإِيمان نصفان: فنصف في الصبر، ونصف في الشكر”، أخرجه البيهقي في شعب الإِيمان.

وإن المعاصي كلها تبدأ من السخط وعدم الرضا، فالشيطان -عليه لعنة الله- بدأت معصيته لربه حين تسخط على ما قضاه الله في خلق آدم وراجع ربه (سبحانه) حين أمره الله الملائكة ومعهم إبليس بالسجود، فسجدت الملائكة طائعين راضين منفذين لأمر الله واعترض إبليس، فقال الله (عز وجل): “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا”، الإسراء (61).

دعاء لراحة البال والطمأنينة

قد يمتلك الإنسان في الدنيا الكثير من الممتلكات، قد يكون المال والصحة والولد، وقد يمتلك الكثير من النعم، ولكنك تجده غير سعيد، والسبب في ذلك لافتقاده الطمأنينة وراحة البال، وفي المقابل قد ترى إنسانًا لا يمتلك مثل الأول ولا يمتلك إلا القليل من كل هذه النعم وتجد قلبه مطمئنًا وينام الليل مستريح البال.

والسبب في ذلك ما وضحه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث، فقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “من كان همه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، ومن كان همّه الدنيا فرق الله عليه أمره وجعله فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له “.

فمن كانت الدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله لا يستريح أبدًا ولا يعرف طعم الطمأنينة وراحة البال وسيظل يلهث حتى آخر لحظة من حياته ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله، فتجده مطمئن الفؤاد مستريح النفس.

ولهذا علمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعاء ندو الله به لراحة البال وطمأنينة القلب، فعن ابن عمر (رضى الله عنهما) قال: “قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا)”رواه الترمذي وصححه الألباني.

فهذا دعاء قال عنه العلماء أنه من جوامع الأدعية لخيري الدنيا والآخرة، فلم يُترك شيئًا من خير ما في الدنيا والآخرة إلا واشتمل على أحسن ما فيه.

ما هو الفرق بين الرضا والقناعة؟

اختلف كثير من الناس هل الرضا والقناعة بمعنى واحد؟ أم هناك اختلاف بينهما؟ خاصة أنهما وردا في السُنة النبوية الشريفة، فكلمة القناعة وردت في الحديث المروي عن ابن عباس (رضى الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “اللَّهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ”، أخرجه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.

ووردت كلمة الرضا في أحاديث كثيرة منها ما روي عن ابن عمر (رضى الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “ما يمنع أحدكم إذا عسر عليه أمر معيشته أن يقول إذا خرج من بيته: “بسم الله على نفسي ومالي وديني، اللهم رضني بقضائك، وبارك لي فيما قُدر لي حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عَجلت” رواه ابن السني وذكره النووي في الأذكار.

وربما يكون الفارق بينهما أن الرضا اعم واشمل من القناعة، فالرضا حال من أحوال القلب يتعامل فيها الإنسان مع كل ما قدره الله وقضاه بتسليم مُطلق أما القناعة فأغلبها في الرزق المادي، فالمسلم يقنع بما قسمه الله له من رزق سواء كان قليلًا أو كثيرًا.

وهناك فرق آخر بين الرضا والقناعة أن الرضا يسبق الحدث ويواكبه ويلحقه فالرضا حال دائم من أحوال القلب ليس متعلقًا بزيادة أو نقصان، ولكن القناعة تكون بعد وقوع الرزق فالمسلم بعد أن يقدر له الرزق يقنع به، ولكن الرضا قبل الرزق وأثناءه وبعده، وبالعموم ليس بين الرضا والقناعة في المفهوم العام فرق كبير، فيمكن استخدام أي مصطلح منهما بدلًا من الآخر.

أحاديث عن الرضا بقضاء الله

تلك الأحاديث تحتوي على صيغ مختلفة من دعا الرضا التي يستعين بها المُسلم في يومه:

  • الحديث الأول

لن يأتيك من الله إلا كل خير لك، فما يأتيك من السراء فتشكر فيكون خير لك وما يأتيك من الضراء، فتصبر فيكون خيرًا لك، فعَنْ صُهَيْبٍ (رضى الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”، رواه مسلم.

  • الحديث الثاني

أهل الرضا يشعرون كما لو كانوا ملكوا الدنيا بأسرها فهم في راحة قلبية، فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”، رواه البُخَارِي في الأدب المفرد

  • الحديث الثالث

أهل الرضا يعتبرون أن رضاهم بقضاء الله أفضل من تمتع بالنعم، فقيل لسعد بن أبي وقاص (رضى الله عنه) وقد كُف بصره: “ادع الله ليرد عليك بصرك، وأنت مُستجاب الدعوة، فقال: قدر الله خيرٌ لي من بصري”.

  • الحديث الرابع

أهل الرضا يعلمون أن كل شيء مكتوب في الأزل قبل خلق الدنيا لذا فهُم أكثر الخلق اطمئنانًا، فعن عبد الله بن مسعودٍ (رضى الله عنه)، قال: حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق المصدوق: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” رواه البخاري ومسلم.

  • الحديث الخامس

أهل الرضا لا يقولون كلمة “لو!”، فهم يوقنون أنها تفتح باب عمل للشيطان في قلوبهم، فعن أبي هريرة (رضى الله عنه) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: “لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا”، ولكن قل: “قدر الله وما شاء فعل”، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان”، رواه مسلم.

  • الحديث السادس

أهل الرضا يطمئنون أن أهل الأرض لا يملكون له شيئًا سواء بالخير أو بالشر؛ فكل شيء من الله (سبحانه)، فعن ابن عباس (رضى الله عنهما)، قال: كنت رديف النبي (صلى الله عليه وسلم) يومًا، فقال: “يا غلام، إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفت الصحف”، رواه أحمد والترمذي بسند صحيح.

  • الحديث السابع

أهل الرضا يعلمون أنه كلما ارتقى العبد في عبادته كما اشتد بلاؤه لترفع درجاته في الجنة، فهم يواجهون الابتلاء برضا نفس وصبر، فعن أنس (رضى الله عنه): قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ”، رواه الترمذي، ولهذا يستحقون أن يرضى الله عنهم، فيقول (سبحانه): “رضى الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ “، البينة: 8.

  • الحديث الثامن

أهل الرضا يقتدون بنبيهم (صلى الله عليه وسلم) فيسألون الله أن يوفقهم للرضا بالقضاء فكان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم): “… وأسألك الرضا بعد القضاء”، رواه النسائي بسند صحيح.

فمن رضى عن الله سيرضيه الله (سبحانه) يوم القيامة، فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلِّم الصحابة أن يقولوا حين يصبحون وحين يمسون ثلاث مرات: “رضيتُ باللَّهِ رَبًّا، وبالإِسْلام دينًا، وبمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) نبيًّا”، فيقول الرسول (عليه الصلاة والسلام): “كان حَقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة”. رواه أبو داود والحاكم وصححه.

وكان من دعائه النبي (صلى الله عليه وسلم): “اللهمَّ إني أسألك نفسًا مطمئنةً تؤمِن بلقائك، وترضى بقضائك، وتَقنَع بعطائك”، رواه الطبراني، فالنفس المطمئنة ترضى بكل قضاء الله وتقنع بكل عطاياه فالدنيا لا تشغلها ولا يهمها إلا رضا ربها عليها.